درس قصة حادثة نجيب محفوظ للصف العاشر الفصل الثاني

درس قصة حادثة نجيب محفوظ للصف العاشر الفصل الثاني مادة الرياضيات تجدون رابط تحميله تحميل مباشر بصيغة PDF تحميل مباشر، على موقع امارات سكول. وفق منهاج وزارة التربية و التعليم في الإمارات العربية المتحدة الموسم الدراسي 2024-2025.

درس قصة حادثة نجيب محفوظ للصف العاشر الفصل الثاني PDF

تحميل الدرس PDF

قصة حادثة نجيب محفوظ

كان يتكلم في تليفون الدكان بصوت مرتفع ، يُسمع صوته رغم ضوضاء شارع الجيش الصاخب، وجعل يميل بنصفه الأعلى داخل الدكان ليبتعد ما أمكن عن الضوضاء ، ثم ختم حديثه بقوله : “إنتظرني سأحضر فوراً .

وأعاد السماعة إلي مكانها ونقد البائع ثمن المكالمة واستدار فوق التوار متجها نحو الطريق.

كان في الستين أو نحوها ، طويل القامة نحيلها وروي الجبهة والعينين . مكور الذقن وأما صلعته فلم يبقي فوق مرآتها إلا جذور شعر أبيض مثل منابت شعر ذقنه ، وقد أفصح مظهره عن إهمال صريح نتيجة للسن أو الطبع أو نسيان للذات، على ذلك كان يتمتع بحيوية مرحة وتلتمع عيناه بنشاط وابتهاج.

وبدا أنه ينظر إلي الداخل لا إلي الطريق ثم مال يمنة بمحاذاة صف من اللوريات الواقفة نسق التوار حتى وجد منفذا إلي الشارع ، مرق من المنفذ ليعبر الشارع إلى ضفته الأخرى، وما كاد يجاوز مقدمة اللوري الأخير حتى شعر بسيارة فورد تندفع نحوه بسرعة فائقة.

وقال أحد الشهود فيما بعد إنه كان علىه أن يتراجع بسرعة وإنه لو فعل ذلك نجا رغم سرعة السيارة ، ولكنه لسبب ما لعله المفاجئة أو سوء التقدير وثب إلى الأمام وهو يهتف “ياساتر يارب” وجرت الحوادث متلاحقة.

ندت عن الرجل صرخة كالعواء وفي ذات الوقت انطلقت صرخات الفزع من المارة الواقفين على التوار، وفوق إفريز محطة الترام صدر عن فرملة الفورد صوت محشرج متشنج ممزق وهي تزحف على الأرض بعجلات متوقفة جامدة وهرع نحو الضحية في ثوان عشرات وعشرات كأسراب الحمام ، حتى تكون منهم سور غليظ منيع وانتشر في المنطقة الهرج، ولم ينبض جسم الرجل بحركة واحدة ، وكان منكفئا على وجهه ولا يجرؤ أحد على لمسه وإحدى رجليه ممدودة إلى آخرها والأخرى منثنية منحسرة البنطلون عن ساق نحيلة غزيرة الشعر، وقد فقدت حذائها ، وتغشاه صمت بخلاف كل شيء حوله، وكأن الأمر لا يعنيه البتة .

الرجل وهو يرتفع في الفضاء امتارا ثم يهوي فوق الأرض كشيء، وألصق سائق الفورد ظهره بالسيارة من باب الحيطة وراح يخاطب مجموعة من الحفاة أحدقت به على سبيل المراقبة : “لا ذنب لي ، أندفع هو من أمام اللوري فجأة، وبسرعة وبدون أن ينظر إلي يساره كما يجب” ، وإذا لم يجد وجها مستجيبا عاد ليقول بلهجة خطابية : لم يكن بإمكاني تفادى الصدمة.”

وند عن المصاب صوت كالزفير المكتوم وتحرك حركة شاملة ثانية واحدة ثم غرق في اللامبالاة.

“لم يمت . حي، لعلها إصابة بسيطة ” لكنه طار في الهواء والعياذ بالله “

ولو عفو ربنا كبير، لا يوجد دم ؟ “

” عند فمه انظر ” …

كل ساعة حادثة من هذا النوع ” وجاء شرطي مسرعا وفتح له وقع قدميه ثغرة في السور الآدمي ، نفذ منها وهو يصيح في الناس أن يبتعدوا خطوات. خطوات فقط وعينهم لا تتحول عن الرجل ولا تخفي حدة تطلعها وإشفاقها وقال إنسان : سيبقى هكذا حتى يموت ونحن لا نفعل شيئا ” فأجابه الشرطي بلهجة رادعة أقل لمسة قد تقتله، و بوليس النجدة والإسعاف في الطريق اليه “

واعترض الحادث جانب الطريق واضطرت السيارات إلى الإلتفاف حول السور البشري مشاركة الترام في ممشاه. فضاق بها حتى تحركت في بطء شديد وتجمعت في صفوف ممتدة ومتداخلة وهي تصرخ وتعوي بلا فائدة، ومن ركابها تطلعت أعين إلي الضحية في اهتمام وأعين تجنبت النظر في جذع.

وجاء بوليس النجدة وراء صفارته الحلزونية فاتسعت الحلقة وغادرت القوة السيارة إلي الرجل الملقى وكان الضابط حاسما وحازما ، فأصدر أمرا بتفريق المتجمعين، وتفحص الرجل بنظرة شاملة وسأل الشرطي : “ألم تحضر الإسعاف؟”

وإذ لم تكن ثمة ضرورة إلي السؤال فإنه لم يلق بالا إلى الجواب، وتسائل مرة أخرى : “هل من شهود ؟ ” فتقدم ماسح أحذية وسائق لوري وصبي كبابجي كان عائدا بصينية فارغة ، وأعادوا على مسمع الضابط ما حدث منذ ما كان الرجل المجهول يتكلم في التليفون.

وجاءت سيارة الإسعاف وأحاط رجالها بالرجل ، وتفحصه رئيسهم بعناية وحذر وهو يجلس القرفصاء، ثم نهض متوجها إلي الضابط فبادره هذا قائلا : “أظن يجب نقله إلي الإسعاف ، فقال الآخر بلهجة ذات أثر لا

” يختلف عادة عن الأثر الذي يحدث عن جرس سيارته : بل يجب نقله إلي مستشفي الدمرداش وأدرك الضابط ما يعنيه ذلك على حين استطرد رجل الإسعاف قائلا : “أعتقد أن الحالة خطيرة جدا . “

وعندما أرقد الرجل بحجرة الفحص في مستشفى الدمرداش ، كانت طلائع الليل تزحف كالجبال ، فحصه مدیر القسم بنفسه ، ثم التفت إلي مساعده قائلا : “إصابة خطيرة في الرئة اليسرى ، تهدد القلب مباشرة ” ” عملية !” فهز رأسه قائلا : “إنه يحتضر ” !

وصدقت فراسة الطبيب فلقد تحرك الرجل حركة شاملة كالرعشة واضطرب صدره اضطرابا متلاحقا متحشرجا، ثم شهق شهقة خفيفة واستكن، وكان الطبيبان يراقبانه ، فالتفت المدير نحو مساعده وهو يقول انتهي.

وجاء ضابط النقطة والراجل ما يزال راقدا بكامل ملابسه، عدا فردة الحذاء المفقودة، وقال الطبيب : “هذه الحوادث لا تنتهي” ، فقال الضابط وهو يوميء إلي الفقيد : وشهادة الشهود ليست في صالحه”، ثم وهو يقترب من السرير : “أرجو أن نستدل على شخصيته “

وشرع في عمله على حين بسط له الشاويش المرافق له ورقة فوق منضدة، وتأهب بدوره لتسجيل المحضر، ودس الضابط يده برفق في جيب الجاكتة الداخلي فاستخرج حافظة نقود قديمة متوسطة الحجم ومضى يفتشها جيبا جيبا، ويملي على الشاويش : خمسة وأربعون قرشا من العملة الورقية ، روشتة للدكتور فوزي سليمان” ، وألقي نظرة عابرة على أسماء الأدوية، ولكنه لاحظ وجود كتابة على ظهرها وجره بصره علىها بلا إرادة فإذا بها

البيض والدهنيات ممنوع ، ويستحسن تجنب المنبهات كالشاي والقهوة والشيكولاته وابتسم الضابط ابتسامة باطنية، إذ أن تعلىمات شبيهة صدرت إليه من طبيبه في نفس الشأن ، ثم واصل إملاؤه وأصابعه تستخرج من

الحافظة محفوظاته.

مجلد صغير من السور القرآنية، ولما لم يجد شيئا آخر في الحافظة قال بضيق : “لا توجد بطاقة تحقيق شخصية ” ،

وانتقل إلي الجيب الداخلي وما لبث أن قال في فتور : “ثلاثة قروش ونصف عملة معدنية وتوالي التفتيش وتتابع الإملاء، منديل ، سلسة مفاتيح ، ساعة يد، وكان اخر ما عثر عليه صفحة مطوية من كراسة وبسطها فوجدها

رسالة لم تغلف بمظروف بعد، فأمل أن يصادف فيها ما يستطيع أن يستدل به على شخصية الرجل. نظر أول ما نظر على الإمضاء ولكنه لم يزد عن أخوك عبد الله ، فعاد إلي رأس الصفحة ولكن الرسالة كانت موجهة إلي أخي العزيز أدامه الله فاستاء من هذه المعاندة ولم يجد بدا من قرائتها.

أخي العزيز أدامه الله ، اليوم تحقق لي أكبر أمل في الحياة” ، أضطر إلي التوقف رافعا عينيه إلي تاريخ الرسالة وكان تاريخ اليوم نفسه ۲۰ فبراير ، وامتد بصره فوق الوجه الأسطر إلي الوجه الباهت المشوب بزرقة مخيفة المغلق كسر الجامد كتمثال، ذلك الذي تحقق له أكبر أمل في الحياة وتسائل الطبيب عثرت على شيء؟ فانتبه إلى نفسه وابتسم ابتسامة استهانة ليدل على اعتياده أي شيء وقال “اليوم تحقق لي أكبر أمل في الحياة” بذلك بدأت الرسالة وعاد إلى القراءة متجنبا النظر إلي عيني الطبيب ، فقد انزاحت عن صدري الأعباء المريرة، انزاحت جميعا والحمد لله ، أمينة وبهية وزينب في بيوتهن، وها هو على يتوظف، وكلما ذكرت الماضي بمتاعبه وكدحه وشقائه أحمد الله المنان ، وهذا هو النصر المبين ، واسترق النظر مرة أخري إلي الإنسان الراحل الذي لا يدري أحد مقره ، الذي يثير الدهشة بصمته و انعزاله وارتداده العميق إلى المجهول، “المتاعب والقلق والشقاء والأمل الكبير والنصر المبين، وبعد تفكير طويل ، قر رأيي على ترك الخدمة فعلا ، فهيهات أن تتحسن صحتى طالما بقيت في المدينة ، وحسبت الحسبة فوجدتني أخدم في الحكومة بثلاثة جنيهات، هي الفرق بين المرتب والمعاش، ولذلك قررت أن أطلب إحالتي إلي المعاش وقريبا أعود إلي البلد إن شاء الله ، وسوف أنضم إلي مجلس الظريف عند عبد التواب شيخ الغفر ، أما الآن فكل شيء بخير وليس في الإمكان خير مما كان ” طوي الضابط الرسالة وهو يقول إنه موظف كما يفهم من خطابه ولكن ليس به ما يمكن الإستدلال على هويته ، فقال الطبيب ستتخذ الإجراءات المألوفة، وغالبا ما يجيء أهله في الوقت المناسب، فيتسلمون الجثة من المشرحة “

قد يعجبك ايضا